تعلم البرمجة

 هيا نتعلم البرمجة… نبرمج النحلة… هل تساءلت يوماً “ما هي البرمجة؟”

cup teaالبرمجة هي تتبع خطوات بسيطة لحل مشكلة ما، وأول خطوة تكون بفهم المشكلة والإعلان عن الهدف المراد تحقيقه، ومن ثم ترتيب الخطوات المراد اتباعها لتحقيق الهدف المنشود، مثل إعداد كوب من الشاي! ومَن منا لايستطيع تحضير كوب من الشاي؟ الأكيد أننا نبدأ بتحضير مكونات الشاي وغلي الماء، ولكن ماذا  لو سكبنا الشاي قبل إضافة أوراق الشاي إلى الإبريق؟ ماذا سنشرب؟ ماء مغلي! لذا لابد من تتبع منطقي للخطوات لإتمام كوب الشاي بنجاح.

تُنمي البرمجة مهارة تحديد المشكلة وتبسيطها وترتيب خطوات العمل عند الإنسان، كما تهدف إلى إنشاء برامج تقوم بتطبيق وتنفيذ خوارزميات لها سلوك معين، أي أن لها وظيفة محددة مسبقاً ومتوقعة النتائج، حيث تتم هذه العملية باستخدام لغة الأوامر البسيطة عادة، أو إحدى لغات البرمجة عند المختصين، بشكل عام البرمجة عملية تستلزم معرفة في مجالات مختلفة منها معرفة بالرياضيات والمنطق والخوارزميات.

حل المشكلةليس لتعلم البرمجة عمر ولا وقت محدد، فأنّما شِئْتها تعلمتها، إذ يُعتبر تعلم البرمجة من الأمور الضرورية لحياة أسهل وأبسط في فهم ومعالجة الأمور، وهي الطريق للرقي في هرم التفكير إلى مستويات التحليل والتركيب والتقويم أيضاً. إذ أن التوجه العالمي لهذا القرن يفرض علينا تعلم مبادئ البرمجة. ونحن نسعى لتعليم البرمجة لأطفالنا وكبارنا من خلال ألعابنا الغنية ومنها لعبة “برمج النحلة” وهنا لن نتعلم لغة برمجة، بل سنتعلم ترتيب الخطوات المنطقية لتحقيق الهدف، لنساعد نحلتنا اللطيفة في حل مشكلتها، وهي تغذية الطفل بالعسل، فبدايةً تحديد الهدف وهو إطعام الطفل، وبعدها تتجزء الخطوات إلى: الوصول لجرة العسل، تناولها وحملها، ثم الوصول للطفل وأخيراً إطعامه العسل.

كم سهل تعلم البرمجة، كم سهل تحديد الهدف وترتيب الخطوات بشكل منطقي، لنسمو في هرم التفكير ونحلق عالياً لتنمية التفكير الابتكاري والطلاقة والمرونة والأصالة، لكن لابد من اكتساب بعض المهارات واتباع خطوات لحل المشكلة: تحديد المشكلة أو الهدف، تحليل المشكلة:(المدخلات، المخرجات)، اقتراح حلول للمشكلة مناسبة، تقييم الحلول واختيار الحل الأفضل، وأخيراً تنفيذ الحل ثم تجربته.

مبدعون اجتماعيون Zander Srodes

ZanderSrodes-Trinidadوبعد متابعة سر نجاح Shanna Telleman، لنتابع قصص المبتكرين وقصة Zander Srodes، والذي يُعتبر “مبتكراً اجتماعياً” حيث عُرف في سن الحادية والعشرين، حائزاً على العديد من الجوائز الدولية لجهوده في حماية  السلاحف المائية المهددة بالإنقراض، والذي جاب أنحاء العالم لإلقاء المحاضرات، خصوصاً للمدارس شارحاً للعالم أهمية إنقاذ السلاحف المائية للبشرية والاقتصاد والتوازن البيئي.

بدأ اهتمامه بالسلاحف منذ كان بعمر الحادية عشرة، حيث كان يلعب بالألعاب النارية مع أصدقائه على الشاطئ ليلاً وخرجت إليهم سيدة Linda تصرخ بهم لأن الإضاءة المتوهجة من ألعابهم النارية ستعمي سلاحف الماء وتمنعها من العودة للماء، مما أحرجه أمام أصدقائه مما دفعه إلى أن يصرخ بها لتسكت، والتي توجهت صباح اليوم التالي تشكوه لأمه وهنا تبين أنها الحارسة البيئية للسلاحف المائية، مما دفعه للذهاب إلى منزلها والاعتذار لها، فاستقبلته بحفاوة وترحيب لتعرّفه على عالم سلاحف الماء المهددة بالإنقراض، الأمر الذي غير مجرى حياة Zander بتساؤله “كيف أنقذ سلاحف الماء؟”.

بدأ في تقديم عروض داخل المدارس والغرف الصفية بمساعدة أمه وLinda، وتم توفير الأدوات بتبرعات من إحدى الجمعيات البيئية الصغيرة، حيث لم يكن طالباً متفوقاً إلا أن عروضه التقديمية أعجبت المعلمين والإدارات المدرسية ليسمحوا له بتأديتها وتقديمها على الطلبة الذين من نفس عمره،  وهنا اشترى Zander حاسوباً محمولاً واستعار جهاز العرض من مكتب أبيه، كما أعد زياً للأطفال يرتدونه عند عرض تشريح سلحفاة الماء، كما أنه جاء بنموذج واقعي لسلحفاة الماء.

حديث السلاحفبدأت الفكرة تتوسع لنطاق أكبر، ليُتم Zander تأليف كتابه الأول – المترجم حالياً لعدة لغات – “حديث السلاحف”  بمساعدة Linda التي أمنت الرسوم التوضيحية دون مقابل، الأمر الذي هيأ له دعوات ومِنحاً للسفر للعديد من المدارس في العالم. ودائماً يُعيد الفضل لاهتمام أمه والحارسة البيئية فلولاهما لظل إنساناً عادياً أو أقل، حيث أوضحت أمه  أنه حاز على الكثير من الجوائز وشهادات التقدير لم يكن بينها أي جائزة في التحصيل الدراسي، إذ أن تحصيله الدراسي كان متدنياً، الأمر الذي جعل أمه تسانده وتدعمه دون كبت لروحه الإبداعية، كما أن المنظومة التعليمية التي أُتيحت له لم تقدم أي دعم، حيث أصر المعلمون على اتباع أسلوبهم الرتيب مع جميع الطلاب دون الإلتفات للفروق الفردية أو المهارات العالية في غرفهم الصفية، حيث يظن معظم المعلمون أن الطالب المتفوق هو من يجلس بهدوء في مكانه، وجاء Zander كدليل أن الطفل كثير الحركة يستطيع تقديم ما هو جديد ومفيد يخدم به الآخرين، فهو لم يتعلم ما يُريد في المدرسة التي لم يستطع أن يحبها، لذا لم يأسف على الدروس التي فوتها لتقديم عروضه الخاصة، الأمر الذي اختلف كلياً في حياته الجامعية، الحافز الذي كان يدفعه إلى النهوض من فراشه كل صباح، إذ أن أداءه كان ليرتفع عند تلقيه تعليماً يحبه، مع معلم محب لطلابه متفهم.

كما شارك Zander في TED ليعبر عن اهتمامه بالأمر:

أدت الثورة المعلوماتية والاتصالات إلى تعميق فهم أبناء هذا الجيل، واكتسابهم معارف جديدة يشقون بها الطريق إلى المستقبل، فصاروا أكثر وعياً بالمشكلات البيئية وأزمات نقص الغذاء والماء وتفشي الفقر والظلم. ونفس الأدوات التي أعطتهم المعرفة هي نفسها الأدوات التي تسلحوا بها لتنظيم جهودهم لتغيير العالم. ودورنا كأسرة ومدرسة ومجتمع أن  نشجعهم على تحويل أفكارهم إلى واقع وأفعال ملموسة، لنسحبهم وندمجهم ونقودهم إلى غايات وسلوكيات الإنتماء والولاء والعطاء، ولنتوقف عن انتقادهم واستبعادهم بوصفهم “بمثيري المشاكل” ولنفخر بهم وندعمهم بوصفهم “حلالي المشاكل”، فالمبدعون والمبتكرون لم يصلوا إلى ما وصلوا إليه بمفردهم.

مهمة المعلم هي التنقيب عن المهارات الساكنة داخل طلبته بمرونة وتيقظ، فالمناهج التعليمية القائمة على أساس الإختبارات والإجابات النموذجية المحفوظة ليست بالأسلوب المناسب لتثير فضول بعض الطلبة واهتمامهم أو تنمية مواهبهم. كما أن وصف الطفل بصفة: فرط الحركة، قصور الانتباه، الاحتياجات الخاصة … كلها تتحول إلى جروح عميقة في نفسية هؤلاء الأطفال، مما تعيق قدراتهم وإمكاناتهم لبلوغ النجاح، فكل طفل قادر على تقديم إسهامات هائلة للمجتمع إذا أتيحت له الفرصة المناسبة.

نشأة المبتكرة Shanna Tellerman

shannaبعد استعراض نشأة المبتكر Kirk Phelps، اختار Wagner مقابلة Shanna Tellerman والتي برعت في مجال التصميم ثلاثي الأبعاد، وعملت في مجال التصميم ثلاثي الأبعاد بعمر 24 عاماً لشركة Sim Ops Studios 2006، وكمديرة لخط الانتاج عام 2010 في Autodesk وهي تعتبر نفسها تتحدى العالم في تصميمات الأبنية والمصانع ببراعة مراعية أقل التكاليف، والمساحات، والضرر، والأكبر فعالية.

روى والدها أنها فنانة منذ الصغر، فكانت تصمم وتلعب بالمناديل الورقية دمى مسرحيات، كما صممت من صندوق الأحذية بانوراما لمواقع رحلات قامت بها العائلة، درست في أفضل مدارس في منطقتها، وكانت أفضل الحصص التي حضرتها: الفنون والرسم، حيث شجعها أهلها على ممارسة الفن، وزيارة معارض الفنون والرسم، كما خصصوا لها ولأختها غرفة للرسم لقضاء أوقات كافية لممارسة مواهبها.

shanna_tellerman

وتروي أنها في سنة التخرج درست مادة “بناء العوالم الإفتراضية“، والتي كانت من أفضل المواد التي درستها مما كان لها من أثر وتغيير على مفاهيمها الوظيفية للعمل، كما كان معلم المادة ومساعده من الأكثر مساعدة للآخرين، وكانت المادة مختصة في إنتاج مشاريع لمحاكاة الواقع في عوالم افتراضية، وألعاب يمكن للناس التعايش معها ومن ثم عرض المشاريع على الطلبة والأساتذة للمناقشة، وهنا عبرت Shanna أن أكثر ما استمتعت به كان العمل التعاوني وروح الفريق بين جميع التخصصات.  متعة العمل كانت أنه على أساس المشاريع لاحصص وامتحانات، أما العلامات فتحسب بتقييم العمل في جميع المراحل، وبقيت متأثرة بالمُحاضر المتوفي حالياً  Randy Pausch.

وهذه آخر محاضرة قام بها Randy Pausch قبل وفاته مع ملاحظة أنها محاضرة تُدرس في الجامعة

كانت جريئة لاتخشى المحاولة، صاحبة رؤية قوية وواضحة وقيادة نوعية،  كافحت في إنشاء عملها وصموده مع أنه بدأ بالتزامن مع الأزمة الاقتصادية، وصفوها مبدعة لأنها لم تفكر بذاتها بل بروح الفريق الحقيقي، بالنسبة لها الابتكار هو صناعة شيء ذو معنى للعالم يستمتعوا به ويستفيدوا منه، الابتكار هو جعل ابتكارك مستمراً من ذاته ليولد ابتكارات أخرى.

نشأة المبتكرة Judie Wu

jodie wuالمبتكرة Judie Wu أصلها من تايوان، تخرجت من Massachusetts للتكنولوجيا بشهادة بكالوريوس هندسة الميكانيك 2009، لتضحي بالمنحة الدراسية وتُدير عملها الخاص في تنزانيا، هي مدير عام شركة Global Cycle Solutions منذ عمر 24 عاماً، والتي تقوم بتحويل الدراجات الهوائية إلى سيارات مبتكرة.

نشأت في Georgia حيث عمل أبواها في إدارة مطعم صيني، ودرست في مدارس حكومية هناك وكان أسلوب التعليم على المشاريع، حيث يقترح الطالب مشروعه ويبدأ العمل دون القلق على تمويل المشروع، إذ كانت المدرسة مدعومة مادياً لخدمة مشاريع الطلبة، بدأت بمشاريعها العلمية منذ الصف التاسع واستمرت في كل عام بمشروع أكبر وأكثر تعقيداً حتى وصلت الصف الحادي عشر ومشروع “تأثير الموجات الاشعاعية على خلايا الدماغ” حيث أثر فيها المشروع كثيراً وأحبته، لاقت كل الدعم والحب من أهلها لاتمام ما بدأت به، شاركت Judie في مسابقات ومعارض علوم عالمية كانت في أحدها من أوائل المجموعة المكونة من 250 مشاركة، كما اشتركت في فريق الرياضيات والذي كان عملاً جاداً بساعات عمل طويلة ومشاركات مكثفة داخل وخارج أوقات وأسوار المدرسة، والذي كان بهدف المتعة والإحساس بالإنتاج في أعمال عالية مستوى التفكير، وصفها معلموها أنها منظمة الأفكار والعمل، لم تكن أناية وتسعى للشهرة والمباهاة بشكل فردي.

بدأت حياتها الجديدة مع سلسلة مادة D-Labs مع المعلمة Amy Smith التي كانت ناشطة في السلام ليستمر علمها وعملها في مساعدة دول العالم الثالث، وهنا وجدت Judie الفرصة لصناعة أجهزة بتأثير كبير على المجتمعات الفقيرة تكنولوجياً، حيث التقت مع Bernard Kiwia والذي عرض عليهم أعماله في تحويل الأشياء لأشكال جديدة، مما أوحى لها بفكرة تطوير الأعمال، وهنا طورت Judie على أفكار Bernard لتنتج ابتكاراً للدراجة الجديدة المناسبة سعراً، حجماً وهدفاً. والتي فازت وفريقها به بالمركز الأول بمبلغ 100 ألف دولار، قام احد المستثمرين بتمويل مشروعها بخمسين ألف دولار كما قام أبوها بذلك مستدينا المبلغ لإيمانه بقيمة ابتكار ابنته.

تعلمت الإدارة والعمل الجاد، وتوسعت الشركة لتمتد في أربع مقاطعات في تنزانيا، وهناك باعت منتجاتها بأسعار تشجعية وأرباح مقبولة، وتسعى دائماً في محاولات تطوير وانتاج مستمرة.

تنشئة الابن المبتكر- Kirk Phelps

Kirk Phelps

بما أن الإبتكار مكتسب وقابل للتعلم كما رأينا في الجزء السابق،  فهذا يستدعي منا كأولياء أمور أن نبادر لتنشئة أبنائنا ونسعى ليكونوا مبتكرين. لذا سنتناول تنشئة عدة مبتكرين أولهم المبتكر “Kirk Phelps“، لنرى أن تنشئة أهل “Kirk Phelps” لابنهما ساعدته أن يسطر اسمه في سجل المبدعين المبتكرين، وهو الذي عمل على أول “iPhnoe” أنتجته شركة “Apple”، والذي انتقل بعدها ليعمل في شركة “Sun Run” التي تعمل في مجال الطاقة، لأنه يريد أن يوسع أفق تصميمه ومنتجه في مجالات أخرى، فالابتكار لاحدود له. والداه كانا متميزين بطريقة رعايته ونشأته، وكانا يتبعان أسلوب التجربة والخطأ معه حيث كان بكرهما، كانا غاية في النشاط والرغبة في جعله انسانا متميزاً، حيث شجعاه على تنمية هواياته مثل كرة القدم، وكانا يحرصان على القراءة يومياً وعلى أن يختار الابن المواضيع الأكثر متعة واهتمام له، وكانا يحرصان على تمضية أوقات عائلية ممتعة بمشاهدة البرامج التلفزيونية، اعتبر والداه تمضية الوقت في ممارسة الهوايات المختلفة فرصة للاستكشاف وبناء الثقة بالنفس، فمثلاً عندما بدأ ابنهما مهارة لعب كرة القدم قامت أمه بتسجيله في فريق كرة القدم الإسباني في الحي المجاور لحرص والدته أن يتعامل ابنها مع أُناس جُدد ويتعرف عاداتهم، وليس لمهارتهم في اللعب.

لم تختر والدته Lea كباقي الجيران، أن يقضي أولادها فراغهم في أنشطة تتطلب الواجبات والجهد، أو اللعب بألعاب مسلية، بدون هدف، أو قواعد، بل اختارت الأنشطة الممتعة والآمنة داخل المنزل، فأحضرت لهم مكعبات LEGO ليلهو بها الأبناء بأمان في البيت على عكس من يمضون في الخارج، وبها يتعلمون مهارات التخيل، التركيب، والبناء. وكانت رحلاتهم العائلية نوع من أنواع البحث والتثقيف، إذ لابد من البحث في المصادر المتنوعة عن معالم المكان المراد زيارته، تاريخه، جغرافيته، وعادات السكان وغير ذلك… فهي عائلة غاية في الرعاية والاهتمام، إذ استأجرت بيتاً في ولاية “New Hampshire” والعيش جميعاً هناك، لانتقال ابنهم للدراسة في أكاديمية “Phillips Exster” حفاظاً على الترابط العائلي، وأنا أراه مميزاً حتى في مجتمعنا، وعلى الرغم من تميز هذه الأكاديمية إلا أن مناهجها كانت جامدة، صارمة ومنغلقة، الأمر الذي لم يعجب “Kirk”، مما جعله يترك الدراسة هناك ومن النادر هنا أن نعلم أنه شجعه والداه على ذلك،  وهنا انتقل للدراسة في برنامج أكاديمي بجامعة “Stanford”  والتي أنهى فيها دراسته الماجستير، تلقى هناك الدروس والمحاضرات المتنوعة في الهندسة وموضوع “التصميم الذكي للمنتجات“، والتي رسمت له طريقاً للمستقبل، كانت دراسته هناك تجربة ناجحة، قد أتاحت له فرصة العمل الجماعي، واستمد التوجيه من أساتذته، خصوصاً الأستاذ الاستشاري في تصميم المنتجات.

lego

وهنا انتقل Kirk لابتكار iphone وكان تعبيره ملفت هنا: إن العامل المشترك بين العمل في Stanford قسم تصميم المنتجات وشركة Apple أن الناس تعمل بجد وتضحية لساعات طويلة ليس للحوافز المادية، بل لأنهم مؤمنين بقيمة عملهم.

كيفية تعليم المبتكرين

إن نقطة التحول في الإبداع في حياة Kirk  يصف بدايتها في دراسته مادة “التصميم الذكي للمنتجات“، فقد كانت مادة مليئة بالتحديات، كما كانت مادة مثير للجدل بين التخصصات الأخرى، فقد التحق بها طلبة الهندسة الكهربائية وعلم الحاسوب، وكان Kirk  محظوظاً بامتلاكه علم الحاسوب الذي أراد توظيفه في الهندسة بطريقة غير تقليدية. وهنا نرى أن التعليم والمناهج التقليدية من أهم التحديات التي يجب أن يتجاوزها المبدعون، ونرى هنا أهمية رعاية وتنمية التعليم التمكيني ومهارات التفكير العليا القائمة على الاستكشاف والتجربة والتعلم من الخطأ، في القضاء على التعليم التقليدي الذي يحاصر العقول في أسوار منيعة، ويعاملهم كخطوط انتاج مبرمجة.

creative

 التعليم التقليدي يكافئ المنافسة والإنجاز الفردي بدلاً من التركيز على روح الفريق، الفصول الدراسية التقليدية تعتمد على إعطاء محتوى مواد معينة ضمن الكتب والمناهج واختبار الطلاب بها دون اللجوء إلأى حل المشكلات، كما تعتمد الحوافز الخارجية “العلامات” بدلاً من الحوافز الداخلية والاستكشاف والتمكين. برغم أن المبدعين الجدد نادراً ما تفوقوا في مدارسهم إلا أنهم في الغالب يذكرون برنامجاً أكاديمياً كانت نقطة تحول، وسبباً في تشكيل مسار حياتهم العملية الناجحة.

هل الابتكار قابل للتعلم؟

نتساءل هل الابتكار قابل للتعلم، أم أنه مكتسب؟

الابداع والابتكار

نرى أبناء هذا الجيل لا تستثيرهم الأعمال الاعتيادية، كما أنهم لا يضغطون على أنفسهم بأمور ليسوا بها شغوفين، فهم لا يتبعون الآخرين ويقلدوهم فيما يفعلون لمجرد التقليد فقط، بل يريدون طرح الكثير من الأسئلة، وشغل وظائف ومناصب تُرضيهم ليس فقط مادياً بل أيضاً ترضيهم من ناحية الهدف والرسالة والمردود الاجتماعي. وهنا نتوقف للتأمل في الرسم الذي أوجدته Amabile في كتابها “كيف تقتل الإبداع؟” الموضح لكيفية تطوير وتنمية المبدعين، والموضح للعلاقة المتداخلة بين: التجربة، مهارات التفكير العليا والدافعية التي تبدأ اللعب، والشغف بالإقبال على الاكتشاف وتحديد الغاية والهدف. إن دور كل من الوراثة، المناخ الأسري، المنظومة التعليمية، وبيئة العمل، في معظم الدول –حتى المتقدمة- تعرقل المبدعين بدلاً من تنمية قدراتهم، وتحبط حماسهم وشغفهم، ولهذا وجب إحداث طفرة في كل من الأساليب التربوية والأسرية والمنظومة التعليمية وعالم الأعمال خصوصاً أن الجيل الحالي “الإلكتروني” و”المتصل اجتماعياً” قد ظهرت أمامه محفزات جديدة تماماً تختلف عن تلك التي كانت تُحفز الأجيال السابقة.

وهنا نجد أن التعلم باللعب له الدور الأكبر في ايجاد الكثير من مبتكري هذا العصر، أما الشغف فهو حافز فطري ودافع داخلي يشجع على مواجهة التحديات نحو الاكتشاف أو تعلم الجديد أو اتقان مهارة. أما هذا الشغف دون غاية أو هدف لن يوصل إلى نتيجة، والغاية المشتركة لدى المبدعين “الرغبة في إحداث تغيير إيجابي في العالم“.

المهارات المطلوبة لتنمية الإبداع تتلخص بمهارات: التفكير الناقد، وحل المشكلات، والتعلم التعاوني والاجتماعي، والقيادة المؤثرة،  والاستنتاج والقدرة على التكيف، والمبادرة، والانتاجية، وتحليل البيانات، والتواصل الشخصي والكتابي، والفضول، والخيال. كما أعلن Dyer, Gregersen and Christtensen عن الصفات الخمس التي تفصل بين المبدعين وغيرهم وهي: البناء التأسيسي، السؤال، الملاحظة، التجربة والعلاقات الاجتماعية؛ وقسموها في نطاقين: الفعل والتفكير.

إن كثيرين من جيل الآباء الذين تتراوح أعمارهم ما بين الأربعين والستين يعملون في مؤسسات كبرى لاتتيح فرصاً للمبتكرين، ودور المؤسسات هنا يجب أن يكون كدورنا نحن الآباء والمربين بتفهم أبنائنا: دوافعهم، ونشبع فضولهم، ونتفاعل مع تطلعاتهم وآمالهم وشغفهم لتطوير قدراتهم، وإفساح المجال لهم لصناعة مستقبلهم.

وهنا عبارات تستحق التوقف:

المبدع يُبادر لحل المشكلات المحيطة به بدافعية منه لا بأمر من الخارج، فالمبدعون لايشتكون بل يتجاوزون الصعوبات وينتجون“.

لن تكون لديك الرؤية الصحيحة إن لم تتحلى بأبسط الصفات: الاستماع، المشاهدة، التفكير التكاملي، الروح التعاونية الإجتماعية وحب التجربة بشكل أساسي محاطة بالإيجابية والتفاؤل”.

مبتكرون

في الماضي كان يتم اكتشاف المبتكرين والمبدعين بدلاً من تصنيعهم. فهناك أمثلة بارزة جداً لأسماء لامعة من المبتكرين الذين تركوا أفضل الجامعات سعياً وراء أحلامهم مثل “Bill Gates” و”Steve Jobs”، و “Mark Zuckerberg”، والسؤال الآن “كيف يمكننا توفير تربة خصبة لتنشئة هذا الجيل وتنمية قدراته؟”

لا تجلس منتظراً الإلهام بل تحرك وابحث

سلسلة ملخص كتابصناعة المبتكرين: تنشئة الجيل الذي سيغير العالمCreating Innovators “،تأليف Tony Wagner: الذي يعمل في مجال التعليم الابتكاري في مركز التكنولوجيا والمشروعات بجامعة “هارفارد”، وهو محاضر في المؤتمرات ورائد وخبير في مجال إعداد الناشئة للإبداع عند العمل في فرق والمشاركة في إدارة المشروعات.

innovation tony wagner

وهذه السلسلة الأولى من التلخيص:

الابتكارهل المبتكرون يولدون أم يُصنعون؟” سؤال أثار الجدل وحاول Wagner هنا الإجابة عنه. وعن الأسئلة مثل: “ما هو الابداع والابتكار؟” ، “من هو المبتكر المبدع؟ “، “هل يمكن تنمية وتطوير الإبداع عند الشخص؟” يناقش الكتاب جدلية الابتكار؛ ويتحدث عن مساهمات الأُسرة في صناعة جيل مُبتِكر، وكيفية توفير التربة الخصبة للجيل لتنمية قدراته.

الأفكار الجديدة والمبتكرة كما الابتكار وانتاج الجديد والخدمات، يرفع مستوى وتوقعات دخل الشخص المبدع، سواء كان في العمل المكتبي أو الحِرَفي، مما يجعله غنياً ومشهوراً لإبداعه بتقديم له العروض المالية الوفيرة، كما أنها تخلق فرص عمل جديدة في السوق الأمر الذي ينقذ اقتصاد أي أمة عظيمة، حيث أن الاقتصاد العالمي يُعاني حالياً من حالة ركود متعاظم نتج عنها ارتفاع في نسبة البطالة وانقراض معظم وظائف الطبقة الوسطى، مما خلق احتياجا متناميا ً إلى محرك  جديد للنمو الاقتصادي، ألا وهو الابتكار.

 يتم تشجيع الابتكار من خلال المنظومة التعليمية القوية، وقوانين حقوق الملكية، وبراءات الاختراع، والهيكل الاقتصادي، الأمر الذي يقدم حوافز تشجيعية للمخترعين والمبتكرين، كما صار لزاماَّ في عصرنا الحالي أن تدخل عناصر أخرى الى المعادلة، فالابتكار موجود في كل مكان يستخدم فيه الناس طرقاً غير مألوفة لحل مشكلاتهم، سواء كانت مشاكل محلية أو عالمية، شخصية أو عملية، فردية أو جماعية، فصفة الابتكار أن تأتي فكرة جديدة مختلفة فعالة لحل مشكلة.

وهنا أؤكد أن “الابتكار يمكن قياسه” فقد يكون مجرد تحسينات طفيفة أو تعديلات تدريجية في تقنيات أو منتجات أو أفكار أو خدمات حالية، كما يمكن أن يكون  تغييراً جذرياً وتحولات جوهرية أساسية ومختلفة تماماً، لكن لنتفق أن حل المشكلات بدون حلول جديدة خارجة عن المألوف “ليس إبداع”، وبينما تتبادر إلى أذهاننا منتجات مثل ”آي فون“و”أي باد“ّ عندما نفكر في المنتجات المبتكرة، فإن الابتكار يمكن أيضاً أن يُستخدم على سبيل المثال في إنقاذ الحيوانات المعرضة  للانقراض، أو توفير الطعام لإغاثة سكان المناطق التي تعاني المجاعات المزمنة، أو توفير التعليم عن بُعد في الظروف القاسية.

يتطلب الابتكار الارتقاء بهرم مهارات التفكير العليا والقدرة على التفكير الناقد، التحليل والتركيب، وتقبل الآخرين والتعاون معهم باختلافاتهم وتنوعهم، كما يتطلب الإيجابية، والنظر إلى الأمور بزوايا مختلفة كالتفكير في حل المشكلة من خارج العلبة، والفضول وحب الاستطلاع والتعلم، وحل المشكلات بطريقة مختلفة غير تقليدية بممارسة التفكير التكاملي. وهنا يدعي البعض أن مهارات STEM الجامعة لكل من العلوم، التكنولوجيا، الهندسة والرياضيات هي الأساس الذي يمكن استثماره وتطويره.

يُعتبر جيل القرن الحادي والعشرين جيلاً مثيراً للجدل، حيث يعتقدهم البعض ليسوا أذكياء، في حين يعتبرهم البعض آلاخر   “الأكثر ابتكارا“ في تاريخ البشرية‘ إذ أن ألانترنت جعلتهم جيلاً مميزاً، فتحت لهم أبواب التواصل الاجتماعي، وأتاحت لهم أدوات للتعلم لم تكن متاحة لبني البشر من قبل، فالتحديات الاجتماعية هنا على المحك كما هي الاقتصادية بسبب التغييرات المستهدفة للوظائف في سوق العمل، ومنه تولدت حاجة “الابتكار” وهو المحرك “الاقتصادي الاجتماعي” الجديد، الذي يوفر فرص وتحديات عالية دون تلويث البيئة.

نعيش وأبناؤنا اليوم أحداث العالم بشكل أسرع وأكثر حيوية مقارنة بأي وقت مضى، ويعتبر كثيرون من أبناء الجيل أن الانترنت معلم أجدر من معلمين كثيرين يقفون أمامهم طوال اليوم. ويسعون إلى حياة صحية وصحيحة، كما يريدون إحداث فارق إيجابي في مجتمعهم المحلي والعالمي، أكثر من رغبتهم في كسب المال. وهم قلقون بشدة إزاء مستقبل الحضارة الإنسانية، التي باتت تتجمع في فريقين لتختفي بها الطبقة الوسطى اجتماعياً واقتصادياً: فريق مبتكر يرتقي للقمة تمثله الدول العظمى التي باتت ملاذ ومأوى المبتكرين والمبدعين، وفريق يراقب ارتقاء الأول.

مارتن لوثركنغوهنا أستعرض حقيقة أن “الإبتكار هو منقذ الأمم والحضارات” وأن المبدعون أقلية قوية، وهنا يشير الكاتب إلى “مارتن لوثر كنغ” كمبدع وناشط سياسي في سبيل الحرية، وحقوق الإنسان لإنهاء التمييز العنصري ضد السّود، وكان أصغر من يحوز على جائزة نوبل للسلام في عام 1964 م.